مقابلة سعادة السفير أسامة بن يوسف القرضاوي سفير دولة قطر لدى رومانيا مع مجلة جيوبوليتيكا

 

مقابلة مجلة جيوبوليتيكا مع سعادة السفيرأسامة يوسف القرضاوي سفير دولة قطر لدى رومانيا

 

نحن نعيش في عالم دائم التغير. محاولات بناء عالم جديد لها مناهج مختلفة. بهذا المعنى، تلعب الجغرافيا السياسية دورا مهما في وضع استراتيجيات جديدة.

من وجهة نظركم الرسمية، ما هي هذه التحديات والضغوط الجيوسياسية الجديدة؟

سعادة السفير: كان للجغرافيا السياسية دور مهم في رسم الاستراتيجيات الإقليمية والدولية لبلدنا من خلال فهم التحديات والفرص المتعلقة بعلاقاتنا الخارجية، خاصة مع دول الجوار والشركاء الإقليميين. نحن جزء من مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي تأسس عام 1981 في وسط منطقة شهدت حروبا وصراعات طويلة، كما كانت على مر السنين.

لعقود من الزمان، كان عنصرا مهما في المنافسة العالمية بسبب الطاقة والمصالح الاستراتيجية. وقد ساهم هذا الإطار الإقليمي لدول الخليج العربي في الحفاظ على التوازن والأمن والاستقرار لبلداننا وشعوبنا والمنطقة بأسرها. كما هو معروف، قطر دولة محاطة بدول كبيرة، مما يعني أنها تقع في منطقة جيوسياسية مهمة ومعقدة للغاية. وهذا ما خلق تحديات لدبلوماسيتنا المتعلقة بالأمن والاستقرار، حيث فرضت علينا توازنا في علاقاتنا الخارجية مع جميع دول الجوار، وشكلت تحديا لنا في ظل الحروب في المنطقة والتوترات السياسية بين بعض هذه الدول وخارجها، وبسبب الصراعات والمواجهات الجديدة بين القوى الكبرى، يواجه النظام العالمي وضعا حرجا.

إن الصراعات المتسارعة في أفريقيا والشرق الأوسط والمواجهات المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين لها آثار جيوسياسية كبيرة، وتتنافس القوى الإقليمية الكبرى من حولنا وتتعاون في نفس الوقت، ناهيك عن تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على جميع دول العالم، بما في ذلك بلدنا، مع الإشارة هنا إلى الموقع الجغرافي لدولة قطر الذي يلعب دورا في تطوير قطاعات مثل النقل والتجارة والطاقة، نظرا لأن بلدنا من بين أهم اللاعبين في سوق الغاز العالمي.

تروج كل دولة لاستراتيجياتها الأمنية في ضوء التطورات الدولية. ما هي توجهات دولتكم في الساحة الدولية؟

سعادة السفير: أكد صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، في مناسبات عديدة، على سياسة بلادنا في نبذ العنف، وحل النزاعات بالوسائل السلمية، واعتماد الدبلوماسية الوقائية، والتوسط لحل النزاعات بالوساطة والتفاوض، سواء كانت تتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي أو النزاعات الحدودية التي نشأت في آسيا وأفريقيا. تميزت دبلوماسيتنا على المستوى الدولي بالوساطة لحل النزاعات بالوسائل السلمية، حيث استضفنا مفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان الأفغانية، والتي أنهت صراعا عالميا استمر 20 عاما. لا يخفى على أحد أن الصفقة الأخيرة للإفراج عن 5 معتقلين أمريكيين و5 إيرانيين جرت في الدوحة، بوساطة كاملة من دولة قطر لعدة أشهر.

من ناحية أخرى، يسعى بلدنا إلى تطوير وبناء الشراكات الإقليمية والدولية والتعاون الأمني في مجال مكافحة الإرهاب ومكافحة التطرف وتعزيز الأمن الإقليمي ونزع فتيل الأزمات. كما نستثمر في تطوير قدراتنا العسكرية والدفاع عن النفس. ونؤكد هنا أن دولة قطر، على الرغم من صغر حجمها، أوجدت نوعا فريدا من التوازن في العلاقة بين الدول الرئيسية المواجهة.

نحن حليف رئيسي من خارج الناتو للولايات المتحدة الأمريكية، وفي الوقت نفسه نتمتع بعلاقة وشراكة تجارية كبيرة مع الصين، مع الحفاظ على الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، مما يؤكد قدرتنا على التكيف والانخراط والتعامل مع أقطاب مختلفة ولعب أدوار مهمة في المنطقة والعالم.

تتمتع الجغرافيا السياسية، في السياق الدولي الحالي، بثقل كبير في توليد استراتيجيات الأمن السياسي والعسكري والاقتصادي، يرجى التعليق على التوجهات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الرئيسية لتعزيز المصالح الوطنية؟

سعادة السفير: من الواضح أن العالم اليوم يشهد حالة من عدم الاستقرار والتوتر الدولي، تذكرنا بالسنوات التي سبقت الحربين العالميتين الأولى والثانية، ومرحلة الحرب الباردة التي كشفت عنها الحرب في أوكرانيا قبل عام ونصف. وفي الوقت نفسه، نشهد ولادة كتلة عالمية جديدة عبرت عنها قمة بريكس الأخيرة في جوهانسبرغ.

ونرى أن من الضروري النظر في صياغة اتفاق دولي جديد يحفظ الأمن والسلام لجميع بلدان وشعوب العالم لأن سباق التسلح، والتهديد باستخدام أسلحة الدمار الشامل، وغزو واحتلال أراضي بلدان أخرى، ومنع الصادرات الغذائية التي أثرت على بلايين البشر، ولا سيما في البلدان الفقيرة، فضلا عن استخدام الطاقة كسلاح، ليست في مصلحة البشرية، والبديل هو المزيد من الحوار، وتعزيز ثقافة التسامح، ومحاربة التطرف والعداء للآخرين.

تتعرض الدول الصغيرة مثل دولة قطر لخطر النزاعات الجيوسياسية أكثر من غيرها. لذلك، نعطي الأولوية لسياستنا الخارجية للاستفادة من موقعنا الجغرافي لخدمة مصالحنا السياسية، وتعزيز ثباتنا، والانخراط في حل الأزمات الإقليمية والدولية كوسيط دولي وشريك موثوق. من هنا تلتزم بلادنا بالدبلوماسية الإنسانية، والتعاون التنموي، وتعزيز العلاقات الدولية الثنائية والمتعددة الأطراف مع مختلف الدول والمنظمات، واعتماد مواقف داعمة للقضايا الإقليمية والدولية مثل حقوق الإنسان وتغير المناخ والتنمية المستدامة، بالإضافة إلى الدبلوماسية الثقافية، وعقد الندوات الدولية والحوارية لمختلف الاتجاهات، واحتضان حوار الأديان والحضارات، واستخدام الرياضة كوسيلة لتعزيز الروابط الإنسانية بين مختلف الشعوب، كما استضافت قطر كأس العالم لكرة القدم في عام 2022  لتعزيز صورتها العالمية كأول دولة في المنطقة تستضيف مثل هذه المسابقة العالمية.

أعرب معالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، في كلمته في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دورته 53 في مدينة دافوس هذا العام عن حقيقة موقف بلادنا من الصراعات في الشرق الأوسط وأوكرانيا وأفغانستان داعيا إلى ضرورة التزام الجميع بميثاق الأمم المتحدة وعدم استخدام القوة والتهديد ضد دولة أخرى. من هنا، أقمنا علاقات مع دول القارة الآسيوية، مما يعزز دورنا الجيوسياسي في المنطقة، وكذلك التعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، مما جعل بلدنا مركزا إقليميا للتعددية، وكان من أهم النتائج افتتاح دار الأمم المتحدة في قطر.

وفيما يتعلق بالعلاقات مع الدول الأخرى، كيف يمكنكم تقييم الاستراتيجيات التي وضعت في العلاقات مع رومانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد الأوروبي، روسيا والصين؟

ماذا عن العالم العربي الإسلامي؟

سعادة السفير: بناء التحالفات والتعددية وتسهيل السلام والاستثمار للأجيال القادمة من أهم ركائز سياستنا الخارجية.  ونحن عضو نشط في المبادرات الدولية التي تسعى إلى تعزيز السلام والاستقرار. أستطيع أن أقول بارتياح إن علاقتنا برومانيا متميزة على المستويين السياسي والدبلوماسي، وكنا أول بلد في مجلس التعاون الخليجي افتتح سفارة في بوخارست في خريف عام 1996 و تم تبادل الزيارات الناجحة بين المسؤولين في كلا البلدين على أعلى المستويات. هناك حوار جاد على مستوى وزراء الخارجية ووزراء الدولة لتعزيز العلاقات الثنائية بين بلدينا في مختلف المجالات.  نسعى حاليا لاستكمال الإطار التشريعي للاتفاقيات والبروتوكولات الثنائية التي تغطي مختلف جوانب التعاون: السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والسياحية، وكذلك على مستوى الغرف التجارية ورجال الأعمال. كما زرت عددا من المقاطعات للبحث عن فرص هامة للتعاون. ونركز جهودنا، بعد لقائنا بعدد كبير من الوزراء والبرلمانيين ورجال الدولة، على تعزيز التعاون في المجال الاقتصادي، الذي للأسف لا يصل إلى مستوى العلاقات السياسية بين البلدين. لدينا تفاؤل كبير بأن المرحلة المقبلة ستشهد تطور العلاقات الاقتصادية في مجال الاستثمار والتبادل التجاري.

أما بالنسبة لعلاقاتنا الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأمريكية فهي تعود إلى عام 1972 وتتسم بالقوة والثقة المتبادلة والتنسيق بين البلدين في العديد من القضايا الإقليمية والدولية. الولايات المتحدة هي أكبر مستثمر أجنبي في قطاع النفط والغاز في دولة قطر.  تستضيف بلادنا مقر القيادة المركزية الأمريكية وننسق جهودنا للحفاظ على الأمن في منطقة الخليج.

وفي حين أن العلاقة بين دولة قطر ودول الاتحاد الأوروبي تعكس التعاون الثنائي المتبادل، فإننا نسعى إلى بناء شراكة استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي لمواجهة التحديات العالمية المشتركة في مجال الطاقة وتغير المناخ ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى أولوية التعاون الاقتصادي وتعزيز التعاون السياسي في قضايا السلام والأمن الإقليميين، إلى جانب التعاون الثقافي والتعليمي. الاتحاد الأوروبي شريك مهم لبلدنا في مجال التجارة والاستثمار.

أما بالنسبة لعلاقتنا مع روسيا، فهي تعود إلى عام 1988 وتشمل جميع جوانب السياسة والاقتصاد والثقافة. في يونيو من هذا العام، وخلال لقائه مع الرئيس فلاديمير بوتين، قام رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بتسليم رسالة من حضرة صاحب السمو أمير دولة قطر إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين بشأن التطلع إلى تعزيز التعاون بين البلدين وتطوير الشراكة والصداقة، خاصة وأن البلدين يلعبان دورا عالميا في مجال صادرات الغاز الطبيعي. ونأمل أن تنتهي هذه الحرب في أوكرانيا وفقا لمبادئ القانون الدولي.

أما بالنسبة للصين، فلدينا علاقة دبلوماسية منذ عام 1988، وهي تمر الآن بمرحلة تعاون استراتيجي، خاصة في مجال الطاقة والتنسيق السياسي والتعاون في عدد من ملفات الصراع في أفريقيا والقضية الفلسطينية. ومن المتوقع أن تشارك شركتان روسيتان في خطة التوسع في حقل الشمال الشرقي، بتكلفة 30 مليار دولار، مما سيزيد الطاقة الإنتاجية للغاز المسال في قطر من 77 مليون طن سنويا إلى 126 مليون طن بحلول عام 2027.

إننا جزء من العالم العربي ونتشاطر مع أشقائنا التحديات الصعبة والرغبة الصادقة لشعوبنا في تحقيق التنمية والسلام والاستقرار والتقدم. نحن نلعب دورا رئيسيا في خلق مناخ لتعزيز الديمقراطية ومعالجة الاختلافات العربية- العربية. نحن نقف دائما مع حقوق الشعوب العربية في مناطق الصراع في العيش بسلام، وخاصة الفلسطينيين والسوريين واليمنيين والسودانيين. كما أن لدينا علاقات ممتازة مع دول العالم الإسلامي ونحن جزء مهم من البنية السياسية والثقافية للعالم العربي والإسلامي.

من حيث استراتيجيات التجارة، كيف يمكنكم تقييم الاستراتيجيات التي وضعتها بلدكم؟

ما هي المصالح الوطنية التي يتم الترويج لها في العلاقات مع دول ثالثة؟

سعادة السفير: إن استمرارية التجارة الخارجية لدولة قطر تقوم على تعزيز التنوع الاقتصادي لمصادر الدخل القومي وتطوير قطاعات متعددة، بما في ذلك الغاز الطبيعي والبتروكيماويات والصناعات المعدنية، فضلا عن السياحة.

كما نسعى إلى تعزيز الشراكات الاقتصادية والإقليمية والدولية من خلال اتفاقيات التجارة والاستثمار، وإنشاء بنية تحتية قوية وتحسين بيئة الأعمال لجذب المستثمرين الأجانب، ولعب دور إقليمي وتعزيز التجارة الخارجية. على سبيل المثال، تسببت تداعيات الحرب في أوكرانيا على سوق الطاقة في ازدهار عائدات صادراتنا من الغاز المسال خلال الأشهر التسعة الماضية. في سبتمبر 2022، بلغت الإيرادات حوالي 100 مليار دولار، معتبرين أننا ثالث مصدر للغاز حول العالم، حيث قمنا بتصدير 81.2 مليون طن في عام 2022، بزيادة قدرها 5.4 ٪ عن عام 2023. بالإضافة إلى ذلك، يبلغ رأس مال صندوق الثروة السيادية القطري حوالي 475 مليار دولار، مقارنة بنحو 461 مليار دولار في سبتمبر من العام السابق.

تم توزيع استثماراتنا الأجنبية في أهم اقتصادات العالم في سلة متنوعة. أهم شركائنا التجاريين هم الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا العظمى وتركيا ودول أخرى. ويشمل التعاون مجالات الطاقة والطاقة المتجددة والبنية التحتية والصناعات البتروكيماوية والطيران والتمويل والمصارف والصناعات المختلفة. كما قمنا باستثمارات ذكية في بلدنا مع الإيرادات التي كنا محظوظين بها من ثروة الطاقة. قمنا بتطوير استراتيجيات اقتصادية في المنطقة خلال الفترة من 2017 إلى 2019. كنا من بين أسرع الدول في العالم للانتقال من الواردات بشكل عام إلى سياسة ذكية للاكتفاء الذاتي، خاصة في القطاعات التي لها تأثير على الأمن القومي مثل الأغذية الأساسية وقطاعات التجارة الحيوية. نتطلع إلى أن تكون رومانيا جزءا من مشاريعنا الاستثمارية في المستقبل المنظور.

في العديد من المنشورات والأنشطة، قمنا بترويج مناهج جيوسياسية جديدة مثل الذكاء الجيولوجي، والجغرافيا السياسية للذكاء الاصطناعي، وكذلك مناهج دور الأقليات الثقافية والدينية في تأمين الاستقرار الإقليمي، وحتى العالمي.

كيف يتم النظر إلى هذه الأساليب في بلدكم؟

سعادة السفير: نحن مهتمون جدا، مثل بقية العالم، بالذكاء الاصطناعي لأنه يمكن استخدامه في العديد من المجالات التي تحترم الإنسانية والتنمية، وتدعم زيادة الأعمال والمشاريع التجارية، ووضع استراتيجية لشركات تحليل البيانات والخدمات، من خلال التحول الرقمي الكامل، كجزء من سعينا لمواكبة التطور العلمي لتحقيق التقدم.

لقد شاركنا في مؤتمر الاتحاد الدولي للاتصالات، الذي عقد في بوخارست في الفترة من 26 سبتمبر إلى 14 أكتوبر 2022، وستستضيف بلادنا المؤتمر القادم للاتصالات في عام 2026، ونعتقد أن تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي يمكن أن تخدم تطلعاتنا نحو زيادة كفاءة العمل وتطوير الرعاية الصحية والتعليم والصناعات والثقافة وتحسين القدرة على التنبؤ وخفض تكاليف الإنتاج.

أما سؤالكم عن دور الأقليات الثقافية والدينية فهو نابع من إيماننا بتعزيز الحوار بين الحضارات، فهو آلية لا غنى عنها لبناء جسور التواصل بين المجتمعات والشعوب وتعزيز الاحترام المتبادل والتعايش في مواجهة المظاهر المتزايدة للكراهية والكراهية وانتشار الصراعات العنيفة والتطرف، كما أن لدينا موقفا دوليا يدعم حماية حقوق الأقليات، خاصة في مناطق الحروب والصراعات، التي هي دائما نتيجة للعزلة وعدم الاستقرار وعدم الاستقرار، قلة التنمية والتيارات المتطرفة.

فاسيلي سيميليانو: شكرا لكم يا صاحب السعادة!